كيف يُرزق الكافر وهو لا يسأل الله الرزق؟

الحمد لله
قدَّر الله تعالى الأرزاق كما قَدَّر الآجال ، فلا تموت نفس حتى تستوفي رزقها كما تستوفي أجلها ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 
 ( إن الرزق ليطلُب العبدَ كما يطلُبه أجلُه ) [1]
 
وقد جعل الله تعالى للرزق أسبابًا حسية مادية ، وأسبابا شرعية
فالأسباب المادية كالعمل والاجتهاد في ذلك وإتقان العمل ، ونحو هذا
وهذه الأسباب يستوي فيها جميع الناس ، المؤمن والكافر ، فكل من عمل واجتهد رزقه الله إلا أن يمنعه الله عقوبة على معصية أو اختبارا ، أو لسبب آخر تقتضيه حكم أحكم الحاكمين
 
وأما الأسباب الشرعية ، كالإيمان والتقوى وبر الوالدين وصلة الرحم والدعاء ، فيدعو العبد ربه أن يرزقه ، وأن يزيده في رزقه ، ويبارك له فيه ، فيستجيب الله له ، فينمو رزقه ، ويزداد ، ويبارك له فيه
وقد يرزق الله بعض الناس مؤمنا كان أو كافرا بدون سبب فعله العبد بل بمحض مشيئته سبحانه وتعالى

فكل مخلوق لابد أن يصل إليه رزقه المقدَّر له ، بسبب أو بغير سبب ، قال الله تعالى : 
 (وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) العنكبوت/60 .
وقال تعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ )
هود6 

ولما دعا إبراهيم عليه السلام ربه أن يرزق المؤمنين من أهل مكة من الثمرات ، أخبره الله تعالى أنه لن يجعل رزقه خاصا بالمؤمنين ، بل سيرزق المؤمنين والكافرين
قال تعالى: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}
البقرة/ 126

قال السعدي رحمه الله:
" دعا إبراهيم لهذا البيت ، أن يجعله الله بلدا آمنا، ويرزق أهله من أنواع الثمرات ، ثم قيد عليه السلام هذا الدعاء للمؤمنين .
فلما دعا لهم بالرزق ، وقيده بالمؤمن ، وكان رزق الله شاملا للمؤمن والكافر، والعاصي والطائع، قال تعالى: (وَمَنْ كَفَرَ) أي: أرزقهم كلهم ، مسلمهم وكافرهم ، أما المسلم فيستعين بالرزق على عبادة الله ، ثم ينتقل منه إلى نعيم الجنة ، وأما الكافر، فيتمتع فيها قليلا (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ) أي: ألجئه وأخرجه مكرها (إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) 
" انتهى من "تفسير السعدي" (ص 66)

وعن أبي موسى الأشعري قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم 
 ( مَا أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ نِدًّا وَيَجْعَلُونَ لَهُ وَلَدًا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ وَيُعْطِيهِمْ ) [2] 
 
وقد يبذل العبد الأسباب الحسية ، أو الشرعية ، التي من شأنها أن توصل إلى المطلوب المعين؛ ثم لا يقدر الله تعالى له مثل ذلك المطلوب 
 
وقال ابن مسعود رضي الله عنه:
" إِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ ، وَلَا يُعْطِي الْإِيمَانَ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ "
[3]
فيحصل الكافر على رزقه في الدنيا كما يحصل المؤمن على رزقه ، ولكن المؤمن يطلب رزقه من الحلال الطيب ، ويؤدي شكره ، ويستعين به على طاعة الله
وأما الكافر: فيطلب رزقه من أي وجه كان ، ولا يؤدي شكره ، ولا يستعين به على طاعة الله، 
 بل قد يستعين به على معصية الله .والله أعلم
 
==============
مختصر من موقع الإسلام سؤال وجواب 
---------------------
[1] رواه ابن حبان (3238) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1703)
[2] رواه مسلم ( 2804 ) 
[3] انتهى من "مصنف ابن أبي شيبة "(7/ 105)

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وجود القميص ثلاث مرات في قصة يوسف

معنى (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )

تليين القلب الحجر