إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُستهزئ بها

بسم الله الرحمن الرحيم 
 {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَىءُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} 
 [النساء: 140]  
 
{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ } الفاعل هو الله عزّ وجل،{ فِي الْكِتَابِ} أي: في القرآن , والمنزل الآن قوله: {أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَىءُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ} 
 والآية التي أشار الله عزّ وجل إليها هي قوله:
{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } 
 [الأنعام: 68] 
 
 يعني: إذا رأيت أحداً يخوض في آيات الله إما بكفر أو استهزاء أو غير ذلك فلا تقعد معه، لكن لو نسيت فلا حرج عليك، إلا إذا ذكرت، ولهذا قال:{فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} 
 
وقوله:{إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ} 
 المراد بالآيات هنا: الآيات الشرعية فيما يظهر، ولكن لا مانع أن نقول: هي أيضاً تشمل الآيات الكونية، أما الآيات الشرعية فهي ما جاءت به الرسل من الكتب المنزلة عليهم، وأما الآيات الكونية فهي المخلوقات  
 
وقوله:{وَيُسْتَهْزَىءُ بِهَا} 
 أي: تتخذ هزواً وسخرية، سواء كان ذلك في ذاتها، أو فيما جاءت به من الأحكام، أو فيما أخبرت به من الحوادث، مثل أن يسخر بيوم القيامة، أو يسخر بآدم عليه السلام، أو يسخر بقصص الأنبياء السابقين، أو يسخر بالأحكام الشرعية، فكل هذا داخل في قوله:{وَيُسْتَهْزَىءُ بِهَا}
قوله:{فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ} 
 المراد بالقعود المكث، سواء كان ذلك قعوداً أم وقوفاً أم اضطجاعاً، وليس المراد بالقعود ما هو ضد القيام والاضطجاع

وقوله:{حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} 
أي: غير الحديث الذي يكفرون فيه بآيات الله ويستهزئون بها

قوله:{إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} 
 جملة مؤكدة بـ«إن»، والمراد: إنكم إن قعدتم {إِذًا مِثْلُهُمْ} أي: مثل هؤلاء الخائضين 
 
من فوائد الآية الكريمة
* أن المشارك لفاعل المنكر كفاعل المنكر، لقوله:{إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} و نحن قلنا: المشارك، والآية لا تدل على المشارك، وإنما تدل على أن الجالس معهم له حكم الفاعل، فنقول: إذا كان الجالس يعني: القاعد معهم له حكم الفاعل فالمشارك من باب أولى
 
 * وجوب مغادرة المكان الذي يكفر فيه بآيات الله ويستهزأ بها، ولا يجوز للإنسان أن يبقى ويقول: أنا منكر بقلبي، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه»[121] وأنا الآن منكر بقلبي غاية الإنكار!!
 
فنقول: لو صدقت في ذلك لقمت؛ إذ أن الجوارح تبع للقلب، فلو كره القلب ذلك لكرهته الجوارح، وهذا لا يغنيك، ولا بد أن تفارق، وإلا كنت مثلهم
 
==========
سماحة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى


--------------------
[121] رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص، حديث رقم (49) عن أبي سعيد الخدري

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وجود القميص ثلاث مرات في قصة يوسف

معنى (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة )

تليين القلب الحجر